( مقطع من رواية موسيقى تصويرية
لتحميل نسخة الكترونية كاملة اضغط هنا )
الى :
ايرينى برسوم
محمد منير
1 – دُ ف
وهذا ليعطى انطباعا اعرفه انا ولن اصرح به .
كنا فى عربة القطار التى لا توحى ابداً بما قد يحدث داخلها , فالناظر اليها من الخارج قد يتوقع نظراً لما بها من اعداد هائلة من الرجال والإناث وجود احتكاكات جسدية متبادلة لا تؤدى الى الدفء فقط وأنما لإفرازات وسوائل ليس هذا مكانها , ومن فى داخلها نادراً ما يصادفه شئ غير عادى .. والبرد اللئيم المتواطئ فيما يجرى حدوثه يتظاهر بالقسوة الشديدة وعلن انه قارس وقاس ولا ينوى التراجع امام المحاولات المعتادة لصد هجماته الغادرة , فيتسرب عابراً الأجساد صانعاً انكماشات وخيبات امل لكل هذا الكم المريع من الملامح البشرية التى لا تستوعب أن للأخرين حقاً فى ان يروا حدها الأدنى من الجمال الألهى الممنوح لها . وهذا لايشجعنى مطلقاً على الغناء لمحمد منير بمزاج عالى وصهللة مستفيضة تنقلب الى لعلعة نارية عندما تجاوبنى القلة المتفردة من اصدقائى التى تعى معنى ان تغنى على الريق , ولأنه لا يهمنى رغم كل ما يحبط ويجبرنى على الصمت سوى رغبتى الحارقة فى الغناء , وهذا معناه ان روحى التى بينى وبينها عشرة عمر وعيش وملح تريد ان تفرح .. فهل امنعها وأخون ما بيننا , طبعاً وأكيد وحتماً وثلاثة بالله العظيم لايمكن فلأغنى وليذهب ما عدا ذلك الى قاع جهنم بجوار الشياطين الأخيار :
لاانا كنت بره ولا مهاجر
انا اللى جايلك من باكر
قلبى ولا البحر الهادر
عينى ولا الجمرة الليلة
الليلة يا سمرا يا سمارة
الليلة يا سمرا
ولابد من مصاحبة الأداء الحركى المنيرى , فترتفع كفى اليمنى لأعلى وانزل بها فوق رأسى , يدى اليسرى فى وسطى , تهتز ساقى اليمنى فى حركة دائمة , تضوى عينى , بخرج الكلام من داخل القلب مباشرة , انسى كل الحاجات , وهكذا يكون الغناء لمنير كاملاً , وتكون روحى قد رفرفت من السعادة وسحبتنى ورائها للاعالى , لحدها الأقصى من مساحات الله الممنوحة لها والتى ان تخطتها لهلكنا : ربنا يستر ولا تكون روحى لها فى الكيف , فتأخذنى فى نوبة غناء كهذه الى حيث لا نعود .
.., كان وجهها لى وظهرى لها ولم يكن ذلك هو المهم وانما المهم هو اموت وأمسك بتلك القوة الخفية المتمكنة التى جعلتنى انظر خلفى مع عدم وجود داعى لذلك , من فى قدرته ان يدير رأسى وأنا فى حالتى تلك .. انه متناهى العظمة أكيد , لا أحد سواه سبحانه , وقد يكون ثانى الأسباب هو هروبى من بلادة العيون الغبية التى ترمقنى بتعجب غريب وتسائل وكأنهم ينظرون لمجنون يمارس طقوس جنونه , او لعل السبب الحقيقى لم اكن لأدريه او يصلنى قبلاً لعدم حلول الأوان .
من هذه الأنثى التى كانت تسلط عينيها فوق ظهرى فى المنطقة الواقعة ما بين خلفية عينى وقلبى - فقط وليس أدنى من ذلك – عند التفاتى للخلف , بنظرة لم يكن بها اندهاش كالأخرين ولا أعجاب بتقليدى لمنير وليس تعجباً من خلقة ربنا , وأنما نظرتها فيها الكثير جداً من مكر الله الذى نبه قلبى كما اراد لهذه الأنثى التى توعدنى بها منذ الأزل ولكنه شاء ان تأتى منها هى – قال يعنى هو مالوش دعوة , دى هى اللى روحها طست فى روحى كده لوحدها .
وأنا من غبائى لم انتبه الا الآن , فهى وبتدخل مباشر من الله بدأت فيضانتها تفيض وتكتسح وتغرق كل ما لها وما تملكه من مقاومة وصمود وطولة بال . فوصلنى ندائها حارق , مدمر لكل من ليس هى , زاعقاً بى : ما تحس بقا يا حمار , يا عديم الدم يا ساقع .
ولأن عيناها قالت الكثير , الجميل فى لمحتها البارقة الراعدة , ولأن ما خفى فى عيناها المرتدة خجلاً وحياءاً أعرفه جيداً وما ورائه , دائما يكون اعظم , اكيدة هذه العظمة , جعلتنى رغم قتالها العنيد لتبقيه خافياً عنى , مغيباً بداخلها , اترقب الآتى وأنتظر بقية ما تريد ان تبوح به لى وما تريده ان يصلنى , من أول هذا اردت الأطلاع على منتهاها , ماذا تريد تلك الأنثى , التى وكأنها خلقت فى هذه اللحظة التى اصطدمت فيها عينى بعينها , فى هذه العربة , عند تلك الأشارة الألهية من عيناها التى جعلتنى انتفض محيياً بتعظيم سلام مربع لملائكة العشق وهم صاعدون بعد ان وشموا ملامحى عندها .