الخميس، 12 مارس 2009

عموم الليالي التي




( مقطع من رواية عموم الليالي التي

لتحميل نسخة إلكترونية كاملة اضغط هنا )




يقول المخرج
أنها أشياء تحدث
لكن الرب بعثنا
لندقها مثل الوشم الأخضر
فى ستائر عقولكم
بالتصوير
البطئ.

ـ أعدكم بشرفى:
قريبا جدا
سوف ينسانا الرب .. مؤمن سمير


ـ لأنى لا استطيع ولن اصدق انك يمكنك أن
تفعل أى شئ مهما كان دون جمهور.

.. جونتر جراس .








من وأنا صغير ، لست صغيرا جدا ، ذلك الصغر الذى قد تكون فيه مشاكلى غير مهمة ويكون توقع رحيلها بعد حين لن يطول ، أمرا واردا جدا ، ولكنه ذلك الصغر الذى يكون فيه قد مر وقتا كافيا لكى أُدرك ماذا تعنى كلمة مشكلة . وهذه المشكلة تتبعنى وتتعبنى وايضا تقلقنى وتفسد أوقات فراغى الىّ ، تحيل ساعة فرارى من البشر الى نفسى لساعة فرار اليها.
أنها مشكلة استعصت ،انتشرت بى، توغلت ، فحدث اقتحام لم أملك له دفعا.لقد تجاوزت كونها مشكلة ، ففيما يبدو أنها تمكنت منى تماما .
هذا.. وبعد ، هل أستسلم وأخفض يدى بالسلاح وأكف عن الدفاع عنى ، تاركا لها زمامى , مسلما لها قيادى لتسحبنى من حبل روحى الى حيث يكون هلاكى . أأدعها ببساطة تجرجرنى ورائها وتفقدنى توازنى وأنا اقف امامها عاجزا ، مدلدل الأذنين ، مرخى الذراعين ، لاينقصنى الا أن افتح ساقاى فتخترقنى. يا سلام وما نفعى حين ذاك ، وأين جدواى وضرورتى فى هذه الدنيا وكيف اواجهنى بعد ذلك ، بل وكيف أقف أمام اولئك الناس أعظهم وأتلقى أعترافاتهم وأنقل لهم الثقة وأعطيهم إيمانا وشجاعة يحتاجونها لمواجهة الشياطين، وكيف ياخذون عنى الصبر الازم للوقوف فى وجه هذه الايام السوداء. أن ما اطلقه فيهم ، احتاجه أنا قبلهم لصراعى القديم ، المستمر مع مشكلتى ، فأنا لن اهرب منها ، لن اتراجع أمامها لأعطيها فرصة أن تزنقنى فى الحائط وتجهز علىّ لن اعطيها ظهرى واجعلها تهزمنى : والمسيح الحى ما هاسيبها تغلبنى، ياأنا يا هى
عندما قلت هذه الجملة علا صوتى دون رغبة منى وبلا وعى تقريبا ، فانتبهت الى ثورتى ، تداركت اعصابى وافلاتها ، زفرت متنهدا كضربة اخيرة قاضية على غضبتى المفاجئة وعدت لحوارى مع نفسى:
اننى لو كباقى الناس ، بمعنى أن أوجد بينهم دون أن أثير بوجودى قلقا وتحفظات وأحدث ربكة ولو أننى استطيع التحرك بحرية وسلاسة كما يفعلون ، لو أننى اقدر على فعل ما يفعلون دون أن القى مليون مستنكر ومليون منتقد وكذا مليون آخرين يصطادون فى الماء العكر، لو يحدث ذلك ويتاح لى لحاربت هذه المشكلة بمعننة وروقان بال وجبت أمها الأرض: ـ حافظ على الفاظك يا ابرام ، حد يسمعك تبقى حكاية ـ
فقط لو أنك تصمت وتدعنى فى حالى ، الايكفينى من هم بالخارج حولى ، فتقفز لى انت من الداخل ، ياسيد يا محترم أننى لست بحاجة لأثنين ابرام ، فلاتعش لى فى دورالضميراليقظ الذى ينبه صاحبه الى اخطائه ويحاول انقاذه ، لست فى حاجة اليك الأن ولا بعد الأن.
ـ يا ابرام هتعوذنى ، انت داخل حرب مع مشكلتك اللى مغلباك دى وانت لوحدك مش قدها
ـ بل أننى قادر عليها وقدها وقدود ثم أن الرب راعى فلايعوزنى شئ
ـ ماشى يا ابرام وخد بالك لولا أنى ضميرك يعنى أنا مؤمن بالرب اكتر منك ولولا أن عقلى كبير وما باحبش اغلط فى حد كنت قلتلك ابقى خللى الرب ينفعك،ع العموم براحتك واوعى بقى من وشى فى الساعة الضيقة دى لاحسن المشرحة مش ناقصة جثث .
- غور يا شيخ .
علا صوتى مرة أخرى بضيق وزهق بالغين وأن كان اخشى ما اخشاه من علوه أن يسمعنى مدحت فيبدأ معى حوارا لن ينتهى بسهولة ، ولفت نظرى فى الجملة التى قلتها لضميرى عانيا بها أن يذهب بعيدا عنى , أننى قلت : غور يا شيخ ، فأحلت صوتى للداخل وبدأت اتساءل: لماذا لم اقل له :غور يا قسيس، رغم أن استبدال كلمة شيخ بكلمة قسيس مع الاحتفاظ بالمقطع الأول الجميل سيكون انسب واكثر ملائمة لجو الكنيسة التى اوجد بها ، وكلمة شيخ هذه مستهجنة وغير مستحبة ولا داعى اطلاقا لذكرها هنا ، فهل لأن تغيير الكلمات سيؤدى الى أن تصبح الجملة غير جذابة ، بل انها غير جميلة بالمرة ، أن وقعها ثقيل على الأُذن ، ليست محببة للسمع وخفيفة الدم مثل غور ياشيخ وايضا لأننى لم اسمعها من أحد قبلا واعتقد أننى لن اسمعها فى قادم الأيام ، وايضا لأننى تربيت وأنا اسمعها كذلك وحدث مرارا أن قالتها لى ـ الله يقدس روحها ـ أمى وكانت تخرج من بين شفتيها كما السكر : غور يا شيخ جاتك ستين نيلة ، أو فى مناسبة أخرى ليست سعيدة طبعا : غور يا شيخ انا عارفة فرحان لى بروحك كده ليه . وقد قالها لى أبى هو الأخر كثيرا عندما كنت اعارضه ولا اوافقه على أن أسلك الطريق الذى أوصلنى الى أن أكون ابونا ابرام ، وكان فى قول أبى لها حتمية تؤكد أنه لا يصلح ولا يصح أن تقال بغير ذلك من الالفاظ قال ـ الله يقدس روحه ـ : غور يا شيخ قطر يزهملك . ومع أنه قدس الله روحه افسدها بهذا اللفظ الأخير البشع الآتى من الزهملة والتى يراد بها فى سياق المعنى أن يقول لى أنه يود لو أن القطار شندلنى ، فما كان سيسوئه لو قالها هكذا : غور يا شيخ قطر يشندلك .

هذا ولهذا لم أقل ولن أقول جملة غور يا قسيس ابدا ، فهى أن نطقتها ستجلب لى متاعب كثيرة لا حاجة لى بها ولا أعانى من نقص فى المتاعب حتى اجلب الىّ المزيد. فلو سمعنى أحد الموجودين بالكنيسة وأنا ارددها لأى سبب فسيظن بيقين أننى قد بعت القضية وأصبحت عميلا وما اكثر الجهات التى سأتهم بالعمالة لها ـ ليس اهمها أو اخطرها جهة المسلمين . وتكمن عبقرية الجملة فى تحايلها باستخدام لفظ شيخ ، فأن كلمة شيخ فى اللغة العربية لا تعنى فقط أنه رجل دين ، بل أنها اقرب لمعناها الأخر والمقصود به الأشارة الى رجل كبير السن ، اما عندنا نحن المسيحيين الاجلاء لاتعنى كلمة قسيس سوى ذلك الرجل الذى يتبع الرب والكنيسة ويلتحف دوما بالسواد. ولانه ولسبب طائفى بعض الشئ أن الشيوخ كثيرون جدا ، كل البلد شيوخ ويقابلهم قلة فى اعداد القساوسة ، فلو غار احدا منهم أى ذهب فى ستين مصيبة فستكون مشكلة.
مشكلة: ـ ها هى مشكلتى تعاود الهجوم وكأنها تذكرنى بها ، معتقدة أننى قد أكون نسيتها ، لا تعلم أننى لا احاول ذلك ، تفضيلى للهجوم يغلب ميلى الى الدفاع الذى قد يؤدى الى فشل ذريع ، فتسقط الحصون الدفاعية ويجرى اختراق.. يجرى اختراق وكأنى لا ادرك أنها اخترقتنى فعلا ، اننى سئ ، النقص يملأنى كغيرى ، أكابر وأعاند ولاأُقر الحقيقة واتحاشها ، هذا ليس علاجا يا ابرام ، تيقظ ، أفق ، لاتكن مغفلا دع الحمق جانبا الأن أنك على وشك اعلان الحرب فلتكن مستطيعها فات أوان أن تلهى نفسك وتخدعها وتقول أنها ليست مشكلة أو أنها لا تتجول بك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق